الصفحة الرئيسية
>
آيـــة
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ. وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}
ذكر ابن إسحاق في السيرة قال: جلس رسول الله فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد, فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم, وفي المجلس غير واحد من رجال قريش, فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث, فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه. ثم تلا عليه وعليهم {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} الآيات.. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبدالله بن الزِّبَعْرَى التميمي حتى جلس. فقال الوليد بن المغيرة له: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب وما قعد! وقد زعم محمد أنَّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبدالله بن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته. سلوا محمداً أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة, واليهود تعبد عزيراً, والنصارى تعبد المسيح ابن مريم. فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى ورأوا أنه قد احتج وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده. فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته فأنزل الله عز وجل: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} أي عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل, فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أرباباً من دون الله, ونزل فيما يذكر من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام, وأنه يعبد من دون الله, {ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون} أي يصدون عن أمرك بذلك.
ويتضح ما يقرره القرآن عن طبيعة القوم وهو يقول: {بل هم قوم خصمون} ذوو لدد في الخصومة ومهارة. فهم يدركون من أول الأمر ما يقصد إليه القرآن الكريم وما يقصد إليه الرسول فيلوونه عن استقامته, ويتلمسون شبهة في عموم اللفظ فيدخلون منها بهذه المماحكات الجدلية, التي يغرم بمثلها كل من عدم الإخلاص, وفقد الاستقامة يكابر في الحق, ومن ثم كان نهي رسول الله وتشديده عن المراء, الذي لا يقصد به وجه الحق, إنما يراد به الغلبة من أي طريق.
وهناك احتمال في تفسير قوله تعالى: {وقالوا: أآلهتنا خير أم هو؟ وهو أنهم عنوا أن عبادتهم للملائكة خير من عبادة النصارى لعيسى ابن مريم. بما أن الملائكة أقرب في طبيعتهم وأقرب نسباً – حسب أسطورتهم – من الله سبحانه وتعالى عما يصفون.
المزيد |